المجلد: السلسلة الصحيحة
رقم الحديث: 1761
الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا , كتاب الله و  عترتي أهل بيتي “ .
 قال الألباني في “ السلسلة الصحيحة “ 4 / 355 
وله شاهد من حديث زيد بن أرقم قال : “ قام رسول  الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى ( خما ) بين مكة و المدينة  , فحمد الله , و أثنى عليه , و وعظ و ذكر , ثم قال : أما بعد , ألا أيها الناس  , فإنما أنا بشر , يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب , و أنا تارك فيكم ثقلين ,  أولهما كتاب الله , فيه الهدى و النور ( من استمسك به و أخذ به كان على الهدى ,  و من أخطأه ضل ) , فخذوا بكتاب الله , و استمسكوا به - فحث على كتاب الله و رغب  فيه , ثم قال : - و أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل  بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي “ . أخرجه مسلم ( 7 / 122 - 123 ) 
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
اعلم أيها القارىء الكريم , أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به  الشيعة , و يلهجون بذلك كثيرا , حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك , و هم  جميعا واهمون في ذلك , و بيانه من وجهين : الأول : أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم : “ عترتي “ أكثر مما  يريده الشيعة , و لا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به , ألا و هو أن العترة  فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم , و قد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث  الترجمة : “ عترتي أهل بيتي “ و أهل بيته في الأصل هم “ نساؤه صلى الله عليه  وسلم و فيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا كما هو صريح قوله تعالى في (  الأحزاب ) : *( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا )*  بدليل الآية التي قبلها و التي بعدها : *( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء  إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض و قلن قولا معروفا . و قرن  في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى و أقمن الصلاة و آتين الزكاة و أطعن  الله و رسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا . و  اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا )* ,و تخصيص الشيعة ( أهل البيت ) في الآية بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا  لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه , و حديث الكساء و ما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية و دخول علي و أهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير و غيره ,و كذلك حديث “ العترة “ قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيتهصلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته و علي و أهله . و لذلك قال  التوربشتي - كما في “ المرقاة “ ( 5 / 600 ) : “ عترة الرجل : أهل بيته و رهطه  الأدنون , و لاستعمالهم “ العترة “ على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله  عليه وسلم بقوله : “ أهل بيتي “ ليعلم أنه أراد بذلك نسله و عصابته الأدنين و  أزواجه “ . و الوجه الآخر : أن المقصود من “ أهل البيت “ إنما هم العلماء  الصالحون منهم و المتمسكون بالكتاب و السنة , قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه  الله تعالى : “ ( العترة ) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه و  على التمسك بأمره “ . و ذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا  . ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله : “ إن أهل  البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت و أحواله , فالمراد بهم أهل العلم منهم  المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه و حكمته . و بهذا يصلح  أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال : *( و يعلمهم الكتاب و الحكمة )* “  . قلت : و مثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير  المتقدمة : *( و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة )* . فتبين أن  المراد بـ ( أهل البيت ) المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم , فتكون هي  المقصود بالذات في الحديث , و لذلك جعلها أحد ( الثقلين ) في حديث زيد بن أرقم  المقابل للثقل الأول و هو القرآن , و هو ما يشير إليه قول ابن الأثير في “  النهاية “ : “ سماهما ( ثقلين ) لأن الآخذ بهما ( يعني الكتاب و السنة ) و العمل بهما ثقيل , و يقال لكل خطير نفيس ( ثقل ) , فسماهما ( ثقلين ) إعظاما  لقدرهما و تفخيما لشأنهما “ . قلت : و الحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة  الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله : “ فعليكم بسنتي و سنة  الخلفاء الراشدين ... “ . قال الشيخ القاريء ( 1 / 199 ) : “ فإنهم لم يعملوا  إلا بسنتي , فالإضافة إليهم , إما لعملهم بها , أو لاستنباطهم و اختيارهم إياها  “ . إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث “ الموطأ “ بلفظ : “ تركت فيكم  أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما , كتاب الله و سنة رسوله “ . و هو في “ المشكاة  “ ( 186 ) . و قد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين  اليوم في تضعيف حديث الموطأ . و الله المستعان .